الدنيا دار ابتلاء و اختبار



ابن قيم الجوزية - صيد الخاطر
نزلت في شدة و كأثرت مت الدعاء أطلب الفرج و الراحة . و تأخرت الإجابة ، فانزعجت النفس و قلقت ، فصحت بها : ويلك ، تأملي أمرك ، أمملوكة أنت أم حرة مالكة ؟ أمدبرة أنت أم مدبرة ؟ 

أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء و اختبار ، فإذا طلبت أغراضك و لم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء ؟ و هل الابتلاء إلا الإعراض و عكس المقاصد ؟ فافهمي معنى التكليف و قد هان عليك ما عز ، و سهل ما استصعب . 

فلما تدبرت ما قلته سكنت بعض السكون . فقلت لها : و عندي جواب ثان ، و هو أنك تقتضين الحق بأغراضك و لا تقتضين نفسك بالواجب له ، و هذا عين الجهل . 

و إنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس ، لأنك مملوكة ، و المملوك العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك ، و يعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى ، فسكنت أكثر من ذلك السكون . 

فقلت لها : و عندي جواب ثالث ، و هو أنك قد استبطأت الإجابة ، و أنت سددت طرقها بالمعاصي ، فلو قد فتحت الطريق أسرعت . كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى . 

أو ما سمعت قوله تعالى : و من يتق الله يجعل له مخرجاً * و يرزقه يجعل له من أمره يسراً . أو ما فهمت أن العكس بالعكس ؟ آه من سكر غفلة صار أقوى من كل سكر في وجه مياه المراد يمنعها من الوصول إلى زرع الأماني ، فعرفت النفس أن هذا حق فطمأنت . 

فقلت : و عندي جواب رابع ، و هو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته ، و ربما كان فيه ضررك ، فمثلك كمثل طفل محموم يطلب الحلوى ، و المدبر لك أعلم بالمصالح ، كيف و قد قال الله : و عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم . 

فلما بان الصواب للنفس في هذه الأجوبة ، زادت طمأنينتها . فقلت لها : و عندي جواب خامس ، و هو أن هذا المطلوب ينقص من أجرك ، و يحط من مربتبتك ، فمنع الحق لك ما هذا سبيله عطاء منه لك ، و لو أنت طلبت ما يصلح آخرتك كان أولى لك . فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت . فقالت : لقد سرحت في رياض ما شرحت . فهمت إذ فهمت  .

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك