عمر الخيام



هو الشـاعـر الفـّذ والعالم العبقري الذي لم نعرف له مثيل ولم يؤتى قدره ولم نهتم بأمره بالشكــل المطلـوب ، ولا بإنجازاتـه العلمية والأدبيـة حتى اكتشفـه الغربيـون وترجمـوا رباعياته ودرسوها واستخلصوا منها الحكمة والعبرة.


شكلت الطبعات المختلفة والمتتالية لترجمات رباعيات الخيام , منذ الستينيات من القرن التاسع عشر, تحولاً واضحاً في الثقافة الغربية  والعالمية, وتجاوزت تأثيراتها الحياة الثقافية إلى الحياة الاجتماعية للشعوب و العامة, وانتقلت من اللغة الانجليزية إلى اللغات الاخرى بشكل لم يسبق له مثيل, وقيل ان الاعداد الخيالية للنسخ التي طبعت ووزعت تجاوزت كل نسخ الكتب الاكثر شهرة باستثناء الانجيل (الكتاب المقدس) , وليس غريباً ان تترك تأثيراً على حركة التجديد في الشعر الاوروبي عامة , وفي الشعر الانجليزي المكبـــل بالقيود الكلاسيكية وتقاليد العصر الفيكتوري , وفاضت شهرة الخيام لترفع اســم مترجم الرباعيات السيــــــد ادوارد فيتزجيـــرالد إلى الصف الأول بين اعلام الادب الأوروبي.


والسبب الأول في هذه (المعجزة) هو ما تحمله هذه الرباعيات ولهذا اقبل على قراءتها حتى اولئك الذين لاتربطهم بالقراءة اية علاقة, واذا كان الخيام قد اخذ لقب الحكيم في الثقافتيــن الفارسيــة والعربيــة, فان الأوروبيين اعطوه لقـب (ملك الحكمة), واختطف الاضواء من شيكسبير لفترة طويلة, ولكن اعادة اكتشافه في الثقافتين الفارسية والعربية, اللتين ينتمي اليهما الخيام, تأخرت اكثر من نصف قرن عن اكتشافه في أوروبا والعالم, وعسى ان يكون نصف القرن, هذا, هو الفرق الزمني الحضاري بين الغرب والشرق, وليس أكثر.



حياة الخيام


في نيسابور عاصمة خراسان ومدينة العلم والمعرفة, وفي منتصف ربيع عام 1048 ميلادية ـ حسب تقديرات المؤرخين ـ ولد غياث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام, الحكيم والشاعر والفلكي وعالم الرياضيات, الذي ظلت شهرته محدودة ومرتبطة بانجازاته العلمية, ولم يكتشف العالم سر عبقريته الشعرية في رباعياته الا بعد سبعمئة وثلاثين عاماً من وفاته في نيسابور عام 1131 ميلادية.

كان الخيام يجيد اللغة العربية, ويكتب بها, وله بالعربية كتاب (الجبر والمقابلة), وقد ترجم إلى الفرنسية عام 1851, اي قبل ترجمة الرباعيات إلى الانجليزية بسنة واحدة, ولكن بعض الدارسين يقولون انه عربي الاصل, حيث انتشرت القبائل العربية شرقاً بعد الفتوحات الاسلامية, ولهذا يقولون انه متأثر في شكل ما في رباعياته بشعر المعري الذي يسبقه بنحو خمسين عاماً.
       
تلقى الخيام علومه في نيسابور ثم رحل إلى سمرقند لمتابعة دراسة الجبر, وبرزت موهبته في علم الفلك, فاستدعاه السلطان السلجوقي ملك شاه لتعديل التقويم, وكلفه ببناء برج فلكي في اصفهان, حيث عمل فيه مع عدد من العلماء, وجاءت جهوده العلمية لتكمل الجهود التي بدأها البيرونــــي بعد وفاته, وكانت انجـازات الخيام في مجـال الرياضيات أساساً لتطويرها في القرن التاسع عشر الميلادي, فقد اوجد طريقة هامة لاستخراج جذور الارقام, وعالج لأول مرة مسائل التكعيب في الجبر, وتمنى ان يكمل الذين يأتون بعده الحلول التي وصل اليها, وكان الخيام مشغولاً بالمسلمات الرياضية التي اثارت اهتمام العلماء العرب والمسلمين, وشعر بأن نظريات اقليدس غير كافية, في مجال النسبة, وانجز نظاماً للأرقام أكثر اتساعاً من نظام الاغريق.

ظلت رباعيات الخيام موزعــة في المخطوطات المختلفــة في الشرق والغــرب, وجــاء الاختلاف كالعادة من سوء نوايا الناسخين أو تعصبهــم, حيث يضيفـون أو يحذفـون ما يريدون, ولكن العدد الذي وصل من هذه الرباعيات إلى الغربيين كان كافياً لادهاشهم, وكانت صلة الباحثين والمؤلفين والقراء الغربيين قد بدأت منذ دخول العرب إلى الاندلس, حيث كانت الموشحات وقصص الحب العربية ذات اثر واضح على الشعر الاسباني والفرنسي في بداية القرن الثامن, وفي أول القرن الثامن عشر نقل انطوان غالان مختارات مكثفة من الف ليلة وليلة إلى الفرنسية, ثم ترجمت إلى اللغات الأوروبية الاخرى وتركت اثارها على اعمال فولتير وغوته وعدد كبير من الادباء الاوروبيين, كما ظهرت تأثيرات ترجمة اشعار حافظ الشيرازي والمعلقات السبع العربية على اعمال غوته وبشكل خاص في (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي), ولم تنته حكايات شهرزاد حتى اليوم في المؤلفات والأعمال الابداعية الغربية.
               
ارتبطت بعبقرية الخيام حكايات نادرة حدثت معه أو بعد وفاته, وقد التقط الباحثون بعضاً من هذه الحكايات, ومنها:

ـ اجتمع ثلاثة من الطلاب الدارسين لدى الامام موفق الدين النيسابـــــــــوري في جامعة خراسان وهم عمر الخيام ونظام الملك والحسن بن الصباح, وكانوا يراجعون دروسهم في غرفة خاصة, وهم يدرسون العلوم الدينية واللغة والهندسة والرياضيات والمنطق والعلوم واللغة الاغريقية والفلك.

وفي احد الايام قال الحسن ابن الصباح: دعونا نتعاهد على ان من يصل إلى الوزارة من بيننا نحن الثلاثة يساعد صديقيه الآخرين على الوصول إلى المراكز العالية.

ومرت الايام وصار نظام الملك وزيراً في بلاط الشاه, فزاره الصديقان القديمان عمر الخيام والحسن بن الصباح, ولكن الخيام لم يطلب مركزاً في البلاط, ولكنه كان يريد الاهتمام بأعماله العلمية, فلبى له نظام الملك رغبته وحدد له منحة سنوية بألف ومئتي مثقال ذهبي, اما الحسن بن الصباح فقد حاول منافسة الوزير لدى السلطان, لكن المنافسة انتهت بخصومة شديدة, ثم هرب الحسن, وتحول بعد ذلك إلى قائد مشهور من قادة فرقة الحشاشين التي نظمت حملة من الاغتيالات السرية المنظمة للخصوم.

وكان احد ضحاياها الوزير نظام الملك نفسه, بينما كان الحسن بن الصباح يحتل (قلعة الموت) ويذكر فيتزجيرالد في مقدمته للرباعيات ان نظام الملك كان قد اعتاد ان يردد في حياته بعض العبارات من رباعيات صديقه الخيام, وكانت آخر كلماته عند اغتياله, وقبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة: (يا الهي (انني امضي في قبضة الريح) وقد استعار هذا القول من الشطر الرابع من رباعية الخيام التي يقول فيها:

          (جئت كالماء وكالريح أمضي)

زار الخيام بلدة فسمع اهلها يشكون من كثرة اسراب الطيور التي تحوم فوقهم وتلقي ذرقها فوق رؤوسهم وثيابهم, فصنع الخيام لهم تمثالا من الطين لطائر كبير, ونصبه في مكان عال يطل على البلدة, فهاجرت اسراب الطوير خوفا من هذا الطائر الجارح!!.
                        
بعد وفاة مترجم رباعيات الخيام فيتزجيرالد بنحو عشر سنوات تأسس في لندن ناد يحمل اسم عمر الخيام, وكانت مهمته تنحصر في الدعوة الى المزيد من الاهتمام بأعمال الخيام ورباعياته, وزيارة قبر مترجمه ادوارد فيتزجيرالد, كما وجه رسالة الى الشاه يطلب فيها صيانة قبر الخيام في نيسابور وتجميل موقعه بزراعة انواع الزهور من حوله.


لقي عمر الخيام اهتماما شديداً باعماله في مجالات الرياضيات والفلك, لدى الدارسين القدامى, من الفرس والعرب, وتجاهلا او هجوما على رباعياته واتهامات بالزندقة من المتعصبين المتزمتين, فوصفه الرازي في كتابه (مرصاد العباد) بأنه (الدهري التائه في ميدان الضلال) , كما يذكر محمد غنيمي هلال , وان القفطي في (اخبار الحكماء) قال بأن بعض متأخري الصوفية نقلـــوا ظواهـــر شعــره الى طريقتهم, وناقشوا هذا الشعر فاعتبروه افاعي سامة, وعندما استنكروه وتألبوا عليه, خاف على دمه, وامسك من عنان لسانه وقلمه وذهب الى الحج.

أما الباحثون المحدثون في الادب الايراني فلهم مواقف غريبة ومختلفة من عمر الخيام, فبعضهم يعتبره رجل علم وتقيا, لا علاقة له بالرباعيات المنسوبة اليه, لما فيها من افكار حرة ودعوة الى الحياة بكل وجوهها المشرقة, وينكرون انه كعالم , يمكن ان يقول شعرا في الغزليات والخمريات والتأمل في حال الوجود واسئلة الحياة والموت, مع ان هذه الموضوعات هي الاغراض الاساسية لأهم اعلام الشعر الفارسي من الذين سبقوا عمرالخيام او عاصروه او جاؤوا بعده, ومنهم: رودكي, رابعة القزدارية, فرضي السيستاني, عسجدي, قطران التبريزي, معزي النيسابوري, انوري, حافظ الشيرازي, ومن قبلهم أبو نواس الذي كتب شعره بالعربية.

ويشير بعض الباحثين الى ان التعسف الذي تعرض له الخيام في حياته وبعد موته من المتزمتين كان في بعض جوانبه يرتبط بأن اسمه (عمر) تحديدا.
     
ان شعر الرباعيات كان مألوفا في الشعر الفارسي الذي تأثر كثيرا بالشعر العربي, لغة واسلوبا ومضمونا, ويقال ان اول من كتب الرباعيات الفارسية هي الشاعرة (محاسي), كما كتبها ابو سعيد ابي الخير الذي توفي في فترة ولادة الخيام, ثم شاع هذ النوع من الشعر المكثف بين كبار الشعراء فيما بعد.
           
وهذه احدى اشهر رباعيات الخيام      

زخارف الدنيا أساس الألم
وطالب الدنيا نديم الندم
فكن خلىّ البال من أمرها
فكل ما فيها شقاء وهم

تحمل الداء كبير الرجاء
إنك يوماً ستنال الشفاء
واشكر الفقر الذى إن يرد
أصبحت موفور الغنى والثراء

نلبس بين الناس ثوب الرياء
ونحن فى قبضة كف القضاء
وكم سعينا نرتجى مهرباً
فكان مسعانا جميعاً هباء

وإن توافِ العشب عند الغدير
وقد كسا الأرض بساطاً نضير
فإمش الهوينا فوقه .. إنه
غذته أوصال حبيب طرير
  
لا تشغل البال بماضى الزمان
ولا بآتى العيش قبل الأوان
وإغنم من الحاضر لذاته
فليس فى طبع الليالى الأمان

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك