ألا لا أري الأحداث مدحا ولا ذما

قصيدة رائعة من الروائع الخالدة لأبي الطيب المتنبي:



ألا لا أُري الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّافَما بَطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلمَا
إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرْجعُ الفتىيَعُودُ كمَا أُبْدي ويُكرِي كما أرْمَى
لَكِ الله مِنْ مَفْجُوعَةٍ بحَبيبِهاقَتيلَةِ شَوْقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصْمَا
أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بهاوأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا
بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِهاوذاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْمَا
ولوْ قَتَلَ الهَجْرُ المُحبّينَ كُلَّهُمْمضَى بَلَدٌ باقٍ أجَدّتْ لَهُ صَرْمَا
عرَفْتُ اللّيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بنافلَمَا دَهَتْني لم تَزِدْني بها عِلْمَا
مَنافِعُها ما ضَرّ في نَفْعِ غَيرِهاتغذّى وتَرْوَى أن تجوعَ وأن تَظْمَا
أتاها كِتابي بَعدَ يأسٍ وتَرْحَةٍفَماتَتْ سُرُوراً بي فَمُتُّ بها غَمّا
حَرامٌ على قَلبي السّرُورُ فإنّنيأعُدّ الذي ماتَتْ بهِ بَعْدَها سُمّا
تَعَجَّبُ مِنْ لَفْظي وخَطّي كأنّماترَى بحُرُوفِ السّطرِ أغرِبةً عُصْمَا
وتَلْثِمُهُ حتى أصارَ مِدادُهُمَحاجِرَ عَيْنَيْها وأنْيابَها سُحْمَا
رَقَا دَمْعُها الجاري وجَفّتْ جفونهاوفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعدمَا أدمَى
ولم يُسْلِها إلاّ المَنَايا وإنّمَاأشَدُّ منَ السُّقمِ الذي أذهَبَ السُّقْما
طَلَبْتُ لها حَظّاً فَفاتَتْ وفاتَنيوقد رَضِيَتْ بي لو رَضيتُ بها قِسْمَا
فأصْبَحتُ أسْتَسقي الغَمامَ لقَبرِهاوقد كنْتُ أستَسقي الوَغى والقنا الصُّمّا
وكنتُ قُبَيلَ الموْتِ أستَعظِمُ النّوَىفقد صارَتِ الصّغَرى التي كانتِ العظمى
هَبيني أخذتُ الثأرَ فيكِ منَ العِدَىفكيفَ بأخذِ الثّأرِ فيكِ من الحُمّى
وما انسَدّتِ الدّنْيا عليّ لضِيقِهَاولكنَّ طَرْفاً لا أراكِ بهِ أعمَى
فَوَا أسَفا ألاّ أُكِبَّ مُقَبِّلاًلرَأسِكِ والصّدْرِ اللّذَيْ مُلِئا حزْمَا
وألاّ أُلاقي روحَكِ الطّيّبَ الذيكأنّ ذكيّ المِسكِ كانَ له جسمَا
ولَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍلَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ لي أُمّا
لَئِنْ لَذّ يَوْمُ الشّامِتِينَ بيَوْمِهَالَقَدْ وَلَدَتْ مني لأنْفِهِمِ رَغْمَا
تَغَرّبَ لا مُسْتَعْظِماً غَيرَ نَفْسِهِولا قابِلاً إلاّ لخالِقِهِ حُكْمَا
ولا سالِكاً إلاّ فُؤادَ عَجاجَةٍولا واجِداً إلاّ لمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
يَقُولونَ لي ما أنتَ في كلّ بَلدَةٍوما تَبتَغي؟ ما أبتَغي جَلّ أن يُسْمى
كأنّ بَنيهِمْ عالِمُونَ بِأنَّنِيجَلُوبٌ إلَيهِمْ منْ مَعادِنه اليُتْمَا
وما الجَمْعُ بَينَ الماءِ والنّارِ في يديبأصعَبَ من أنْ أجمَعَ الجَدّ والفَهمَا
ولكِنّني مُسْتَنْصِرٌ بذُبَابِهِومُرْتكِبٌ في كلّ حالٍ به الغَشمَا
وجاعِلُهُ يَوْمَ اللّقاءِ تَحِيّتيوإلاّ فلَسْتُ السيّدَ البَطَلَ القَرْمَا
إذا فَلّ عَزْمي عن مدًى خوْفُ بُعدهفأبْعَدُ شيءٍ ممكنٌ لم يَجِدْ عزْمَا
وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْبها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا
كذا أنَا يا دُنْيا إذا شِئْتِ فاذْهَبيويا نَفسِ زيدي في كرائهِها قُدْمَا
فلا عَبَرَتْ بي ساعَةٌ لا تُعِزّنيولا صَحِبَتْني مُهجَةٌ تقبلُ الظُّلْمَا

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك