حياة البرزخ... ما بعد الموت

حياة البرزخ... ما بعد الموت





إن حياة البرزخ من الأمور الغيبيّة التي لا يعلم طبيعتها إلا الله سبحانه وتعالى، فهي سرٌ من أسرار الحياة الآخرة، والمرحلة الأولى لها، لذلك فإنّ العقل البشري مهما حاول التفكير في حقيقة تلك المرحلة فسيعجز عن الوصول إليها، وإن كلّ ما يدركه الإنسان بعقله حول تلك المرحلة إنّما هو مجرد فرضيّات يصدق عليها الصدق والبطلان، وقد أخفى الله سبحانه وتعالى سرَّ تلك الفترة لحكمةٍ عنده، إلا أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يوحى إليه من ربه قد أخبر عن بعض الأمور التي تشير إلى ما يحصل للإنسان إذا ما دخل القبر واستقرّ فيه، ليتَّعظ المؤمن ويزداد إيماناً، وينتهي العاصي عن معاصيه، ويعود المذنب عن ما كان يقوم به من الذنوب والآثام، فما ثَبُتَ بخصوص حياة البرزخ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الآيات القرآنية التي تُشير إلى ذلك يكون التسليم به والأخذ به حتميَّاً، بل إنه يُعتبر من كمال الإيمان وتمامه، وما لم يثبت من الأحاديث والروايات أو جاء به العلم الحديث فإنه يبقى مجرد نظريّة بحته، ربما تُصدّق، وربما لا تُصدّق، وستبحث هذه المقالة بعد توفيق الله في ما يتعلق بحياة الميت في قبره مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحديداً، أو ما احتوته النصوص القرآنية من الإشارة إلى حياة البرزخ.

بداية حياة البرزخ

بمجرد أن تخرج روح الميت من جسده ويدخل في قبره فإنّه يدخل في حياة البرزخ، فإذا دفنه أهله وأغلقوا القبر عليه بالتراب ونحوه، وانصرفوا عنه فإنّ أول ما ينتظره في حياة البرزخ أن يأتيه ملكان من الله -سبحانه وتعالى- فيُقعدانه في مكانه الذي دُفن فيه، ثم يسألانه مجموعةً من الأسئلة التي بناءً عليها تُبنى باقي حياته البرزخيّة؛ هل سيحياها في نعيمٍ أم في جحيم، ومن تلك الأسئلة أن يسألاه عن الله سبحانه وتعالى، ثم يسألاه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكونه خاتم الأنبياء والمرسلين، ثم عن دينه، أما الذي كان في مرحلة حياته الدنيا يؤمن حقيقةً بتلك الأسئلة فإنه سيجيب بلسانٍ ثابتٍ عن كل تلك الأسئلة؛ قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).[٤] أما الذي كان في إيمانه خلل، أو كان يكفر بأحد تلك الأسئلة أو جميعها فإنه سيجد نفسه عاجزاً عن الرد على شيءٍ من تلك الأسئلة، وقد ثبتت تلك المرحلة من الحياة البرزخية في العديد من النصوص النبوية الصحيحة، منها ما جاء من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين).[٥]

مرحلة العذاب والنعيم


بعد أن تنتهي مرحلة سؤال الملكين للميت بعد دخوله القبر فإن حياته البرزخية تنبني على ما يكون عليه عمله في الدنيا، ويُترجم إلى ثباتٍ عند سؤال الملكين له، أما المؤمن فبعد أن يُجيب عن أسئلتهما فإنه يُرى مقعده من الجنة، وكيف سيكون حاله بعد أن تنتهي حياة البرزخ والنعيم الذي سيصل إليه، حتى إنه يتمنى قيام الساعة ليبلغ تلك المنزلة ويتنعم بما رآه، وبعدها يتَّسع له قبره مدَّ بصره، ويتنعَّم فيه أيما نعيمٍ حتى وكأنه روضة من الجنة، أما الكافر والمنافق والعاصي فإن هؤلاء وأمثالهم بعد سؤال الملكين لهم يرون مقعدهم من النار وما ينتظرهم من العذاب وأصنافه وأشكاله، فيسألون الله أن يُطيل حياة البرزخ وألا تقوم الساعة، وبعد ذلك يُعذَّبون في القبر فيُضيَّق عليهم، ويذوقون من أصناف العذاب الأخرويّ ما أراده الله وقدّره لهم، حتى وكأن قبورهم حفرةٌ من حفر النار، ومن أصناف العذاب التي يتعذب من خلالها أهل هذه الفئة أن تُعرض عليهم منزلتهم في النار مرتين كلَّ يوم، قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).[٦]

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك