يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات بقدرته على اكتساب الخبرات من تجاربه الماضية ، فكل موقف يقع به الإنسان او حادث يتعرض له الإنسان يشكل مخزونا في ذاكرته ، ولا تمحى من ذاكرتنا بمجرد انقضائها وانتهاءها ، بل تترك آثارا يحتفظ بها ويطلق عليها اسم (ذكريات). فالطالب الذي يشاهد تجربة يقوم بها المعلم أمامه واطلع على نتيجتها يحتفظ بهذه الخبرة ويستطيع ان يستعيدها حين يسأله المعلم عنها أو حتى اي شخص اخر.
فان استعادة الخبرات او الذكريات المفيدة السابقة التي مر الانسان بها عبارة عن نشاط نفسي ذهني يسمى التذكر ، وطبيعي ان يسبق عملية التذكر عملية تثبيت الخبرة وترسيخها بالذهن لكي يتم الاحتفاظ بها واستعادتها عند الضرورة ، ولذلك فان التثبيت (أو الحفظ) والتذكر لاينفصلان.
يعتبر النمو العقلي للطفل أمر في غاية الأهمية ويقع على كاهل القائمين على تربيته كالوالدين والمعلمين والمربين ، فمعرفة خصائصه ومظاهره تفيد الى حد كبيرفي تعلم الطفل واختيار اكثر الظروف ملائمة للوصول بقدراته واستعداداته الى اقصى حد ممكن.
التذكر والنسيان
في البداية يمكننا ان نقسم الذكريات الى قسمين قسم جيد وقسم غير جيد ، فنحن نريد أن نتذكر اللحظات السعيدة والمفيدة ، ونحاول نسيان اللحظات السيئة من خوف وحزن ، لكن موضوع هذه المقالة الخبرات المتراكمة أو تذكر الطفل للمعلومات المفيدة ، فالتذكر هو الخبرة السابقة مع قدرة الشخص في لحظته الراهنة على استخدامها ، واستعادتها بالسرعة الممكنة ، اما النسيان فهو آفة العلم ، هو وجود الخبرة السابقة مع عدم قدرة الشخص في اللحظة الراهنة على استعادتها واستخدامها.
والذاكرة كغيرها من الفعاليات العقلية تنمو وتتطور، وتتصف ذاكرة الطفل في السادسة من عمره بانها آلية ، وهذا يعني ان تذكر الطفل لا يعتمد على فهم المعنى وانما على التقيد بحرفية الكلمات ، وتتطور ذاكرة الطفل نحو الذاكرة المعنوية (العقلية) الإيجابية التي تعتمد على الفهم.
ان التذكر المعنوي لايتقيد بالكلمات وانما بالمعنى والفكرة، وبفضله يزداد حجم مادة التذكر ليصل الى 5 ـ 8 اضعاف ، كما ان الرسوخ يزداد وكذلك الدقة في الاسترجاع للكلمات وغيرها ، ويساعد على نمو الذاكرة المعنوية نضج الطفل العقلي وقدرته على ادراك العلاقة بين عناصر الخبرة وتنظيمها وفهمها.
يتطور التذكر من الشكل العضوي( اللاإرادي) الى الارادي. ان الطفل في بداية المرحلة يعجز عن استدعاء الذكريات بصورة ارادية وتوجيهها التوجيه الصحيح والسيطرة عليها ويبدو هذا واضحا في اجابته على الاسئلة المطروحة عليه اذ نجده يسترجع فيضا من الخبرات التي لا ترتبط بالسؤال ، وتدريجيا يصبح قادرا في اواخر المرحلة على التذكر الارادي القائم على استدعاء الذكريات المناسبة للظروف الراهنة واصطفاء مايناسب الموقف.
ذاكرة الطفل
ذاكرة الطفل ذات طبيعة حسية مشخصة في البداية ، فهو يتذكر الخبرات التي تعطى له بصورة مشخصة ومحسوسة وعلى شكل اشياء واقعية فلو عرضنا امام الطفل اشياء وصورا مشخصة وكلمات مجردة ، وطلبنا منه بعد عرضها مباشرة ان يذكر ماحفظه منها ، لوجدناه يذكر الاشياء والصور والاسماء المشخصة اكثر من تذكره للاعداد والكلمات المجردة ولهذا السبب يستطيع طفل المدرسة الابتدائية (لا سيما السنوات الاربع الاولى) الاحتفاظ بالخبرات التي اكتسبها عن طريق حواسه المختلفة.
ولذلك ينصح باعتماد طرق التدريس في تلك الصفوف بوجه خاص على استخدام الوسائل الحسية والممارسة العملية المشخصة للوصول الى خبرات واضحة اكثر ثباتا في الذهن. ويظل تذكر المادة المحسوسة مسيطرا خلال المرحلة الابتدائية باكملها ولايزداد مردود تذكر الكلمات التي تحمل معنى مجردا الا في المرحلة المتوسطة.
المفاهيم المحسوسة والمجردة
الفهم ينمي لدى الطفل وبشكل واضح امكانية تذكر المادة الكلامية ، كما يزداد مردود الذاكرة ويطول المدى الزمني للتذكر. ان طفل السابعة يستطيع ان يحفظ مثلا 10 ابيات من الشعر وابن التاسعة 13 بيتا ويصل العدد الى سبعة عشر بيتا في الحادية عشرة وهكذا
العوامل المساعدة على ترسيخ المعلومات
هنالك عدة عوامل تساعد على ترسيخ المعلومات في ذهن الطفل والتقليل من عوامل النسيان ومساعدة الطفل على زيادة نشاطه المدرسي التعليمي. وهذه العوامل هي :
ـ الفهم والتنظيم: تدل التجارب العملية حول الحفظ والنسيان ان نسبة النسيان تكون كبيرة في المواد التي لايفهمها الطفل أو التي تم حفظها بشكل حرفي ، لذلك فان الذاكرة المعنوية التي تعتمد في الحفظ على الفهم اثبت من الذاكرة الآلية التي تتقيد بحرفية المادة وتعتمد في التثبيت على التكرار، والإلتزام الحرفي المحدد ، ان ادراك العلاقات يلعب دورا مهما في التثبيت لذلك فان الطفل يحفظ الامور المعللة اكثر من غيرها.
ويساعد التنظيم والربط بين اجزاء المادة وعناصرها على جعلها وحدة متماسكة ويزيد من امكانية تذكرها وحفظها ويمكن ان يتم الربط بينها وبين الخبرات السابقة وبذلك يتم للطفل ادخالها منظومة معلوماته. وهكذا يربط التلميذ بين العمليات الحسابية المختلفة وبين مادة الرياضيات.
وفي مادة الجغرافيا يربط بين الزلازل والبراكين والعواصف وهكذا ، بشكل عام ان الذاكرة القائمة على فهم الافكار وتنظيمها أقل تعرضا للنسيان من الذاكرة الآلية القائمة على التكرار البحت.
- وضوح الادراك :ان الادراك الواضح لموضوع ما يساعد على تثبيته وتسهم في الوضوح عوامل متعددة منها اشراك الحواس لاسيما حاستي السمع والبصر ، من هنا اتت اهمية الوسائل الحسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية ، يلعب الانتباه دورا في تعميق الادراك وتوضيحه كما يسيء للفهم ان الادراك العرضي المشتت لايصل بالتلميذ الى الخبرة المعطاة واثارة الاهتمام بها والعناية بعرضها بشكل يجذبه.
- العامل الانفعالي :ان الطفل يتذكر ماهو ممتع او إنفعالي بالنسبة له بصورة افضل ولمدة اطول كما يستخدمه في نشاطه. ولهذا ينصح عادة باثارة الدافع للتعلم لدى الطفل حين يراد له تعلم خبرة ما ، ان وجود الدافع يجعل اكتسابه للخبرة مصدرا لانفعال سار ناتج عن اشباعه.
واستنادا الى هذا العامل الانفعالي تعطي طرق التعليم الان اهمية كبيرة لدور التعزيز في تقدم التعلم. يعتبر الخوف والقلق من الانفعالات التي تعيق الادراك والانتباه وتشوشهما وبالتالي فانها تعيق التثبيت والتذكر.
- الزمن بين التخزين والتذكر : كلما كان هذا المدى قصيرا كان التذكر أقوى وأوضح. فالطفل ينسى معلوماته القديمة (باستثناء الخبرات المصحوبة بشحنة انفعالية قوية) اكثر من الخبرات الجديدة. ولكن استخدام المعلومات القديمة في مواقف متكررة ينفي عنها صفة القدم ويجعلها سهلة التذكر. كما ان الحفظ القائم على الفهم وادراك العلاقات يضمن تثبيتا طويل الاجل .
- الذكاء :ان تأثير الذكاء يتجلى في قدرة الطفل الذكي على فهم المعنى والتنظيم والادراك الواضح والربط بالمعلومات السابقة، وهذه كلها عوامل تسهم في التثبيت والحفظ والطفل الذكي يأنف من الذاكرة الالية ولايقبل على حفظ أي شيء لايفهمه. ان تعليم الاطفال الاساليب المجدية في الحفظ يساعد الى حد كبير على تحقيق نتائج جيدة في تذكر معلوماتهم وقد تثبت جدوى هذه الاساليب حيث تعتمد على الفهم والتنظيم لمحتوى المادة المدروسة ومن أهم الاساليب:
ـ اذا كانت مادة الحفظ نصا أو موضوعا فان افضل طريقة للحفظ هي وضع خطة للنص أو الموضوع وابراز الفكرة الرئيسية والافكار الفرعية وجمع المعطيات في تصنيفات ومجموعات مع اختيار تسمية أو عنوان للمجموعة ثم الوقوف على العلاقات الجوهرية بين المجموعات والربط بين اجزاء الموضوع.
ـ استخدام الرسوم والمخططات والرسوم الهندسية والصور القائمة على اساس الشرح الكلامي.
ـ استخدام المادة الواجب حفظها في حل مسائل تتعلق بها ومن شتى الانواع.
ـ التكرار ويعتبر طريقة مناسبة للحفظ اذا توفرت بعض الشروط التي تبعد الحفظ الآلي. لذلك لابد من الاستخدام العقلاني للتكرار ويكون بمراعاة الامور التالية: توزيع المراجعات بحيث تفصل بين تكرار وآخر فترة من الراحة (الفاصل يجب ان يكون مناسبا يسمح بالراحة ولايكون طويلا يؤدي الى اضاعة آثار المرة السابقة) هذا التكرار الموزع افضل من التكرار المتلاحق. والفاصل يمنح راحة تقضي على عاملي التعب والملل اللذين يشتتان الانتباه.
ويعتبر النوم فترة راحة مثالية لان النوم خال تماما من الفعاليات المقحمة التي يواجهها الانسان في يقظته، ويفضل ان تقرأ المادة قبل النوم مرة واحدة ثم تعاد قراءتها مرة ثانية في الصباح فهذا اجدى من قراءتها عدة مرات تتخللها نشاطات مقحمة ويزيد التأثير السلبي للفعاليات المقحمة كلما كان التشابه كبيرا بينها وبين المعلوات الاصلية المراد حفظها فحفظ درس في اللغة العربية يعرقله درس يليه باللغة الانجليزية مثلا. ويقل التأثير السلبي كلما كانت الفعاليات السابقة واللاحقة مختلفة.
ـ اذا كانت المادة المطلوب حفظها محدودة المحتوى وذات وحدة (مثلا ابيات قليلة يمثل مضمونها حدثا واحدا) فان الطريقة الجزئية الكلية هي الافضل في التكرار ويقصد بها تكرار المادة كلها في كل مرة اما اذا كانت المادة طويلة (قصيدة طويلة) أو موضوعا متشعب الجوانب فيفضل الطريقة الجزئية القائمة على تقسيم القصيدة الى اجزاء ويشترط ان يكون لكل جزء وحده او فكرة رئيسية.
ـ لايجوز ان يكون التكرار آليا بل مصحوب بنشاط عقلي يتمثل في الانتباه والفهم وربط الاجزاء في تنظيم عقلي يبرز تسلسل الافكار وترابطها كما يربطها بالخبرات السابقة
يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.