--> -->

حين تكون المعصية طريقًا إلى الجنة: تأملات في قول ابن القيم وقصة ثعلبة

author image
رجل يجلس متأملًا على جبل عند الغروب، يرتدي عباءة سوداء، وخلفه منظر جبلي وساطع الشمس، مع عبارة 'دار العلوم' في الأسفل. تعبير بصري عن التوبة والانكسار كما في قصة ثعلبة بن عبد الرحمن

حين تكون المعصية طريقًا إلى الجنة: تأملات في قول ابن القيم وقصة ثعلبة

في زمنٍ كثرت فيه الأحكام السطحية، يأتينا الإمام ابن القيم رحمه الله بكلمة تهزّ الموازين وتوقظ القلوب:

"رب طاعة أدخلت صاحبها النار، ورب معصية أدخلت صاحبها الجنة."

فقيل له: كيف ذلك؟ فقال:

رُب طاعة أورثت صاحبها الكِبر والعُجب والغرور، فأكبه هذا المرض على وجهه في النار.
ورُب معصية أورثت صاحبها الذل والانكسار، والبكاء والخشية، والإنابة والتوبة، فكانت سببًا في دخوله الجنة.

🕊️ قصة ثعلبة بن عبد الرحمن: حين أبكت النظرة قلبًا فأحيت روحًا

كان ثعلبة رضي الله عنه يخدم النبي محمد ﷺ في شؤونه، وذات يوم بعثه في حاجة، فمرّ بباب أحد الأنصار فرأى امرأة تغتسل، فأطال النظر ثم ارتجف قلبه، وخاف أن يُنزل الله وحيًا يُخبر النبي بما فعل.

هرب ثعلبة إلى الجبال بين مكة والمدينة، ومكث فيها أربعين يومًا، يتضرع ويبكي، حتى نزل جبريل عليه السلام على النبي ﷺ وقال:

"يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن رجلًا من أمتك بين حفرة في الجبال متعوذ بي."

أرسل النبي ﷺ عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي رضي الله عنهما، فأتيا بثعلبة، فلما رآه النبي قال له:

"ما غيّبك عني يا ثعلبة؟"
قال: "ذنبي يا رسول الله."
قال: "أفلا أدلك على آية تمحو الذنوب؟"
قال: "بلى."
قال: "قل: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار."
قال: "ذنبي أعظم."
قال: "بل كلام الله أعظم."

مكث ثعلبة أيامًا مريضًا، حتى زاره النبي ﷺ، فوضع رأسه في حجره، لكن ثعلبة أزاحه وقال:

"رأسي ملآن بالذنوب يا رسول الله."

قال له النبي: "ما تشتهي؟"
قال: "مغفرة ربي."

فنزل جبريل وقال:

"يا محمد، إن ربك يقول لك: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطايا، لقيته بقرابها مغفرة."

فأخبره النبي بذلك، فصاح صيحة ومات على أثرها.
وحين صلى عليه النبي ﷺ، مشى على أطراف أنامله.
فسأله الصحابة:

"يا رسول الله، رأيناك تمشي على أطراف أناملك؟"

فقال:

"ما قدرت أن أضع قدمي على الأرض من كثرة ما نزل من الملائكة لتشييع ثعلبة."

🌿 تأمل ختامي

ليست المعصية هي الهلاك، إنما الاستمرار فيها دون توبة.
وليست الطاعة هي النجاة، إنما الغرور بها دون خشية.
فمن كانت معصيته سببًا لانكساره وتوبته، فقد نجا.
ومن كانت طاعته سببًا لعجبه وكبره، فقد هلك.

اللهم اجعلنا من التائبين، ولا تجعلنا من المغرورين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.