طواف الإفاضة

طواف الإفاضة هو الركن الثاني من أركان الحج لقوله سبحانه :{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } (سورة الحج الآية 29) ولأن النبي - قال - حين أُخبِرَ بأن صفية حاضت - ( أحابستنا هي ؟، فقالوا : يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة ، قال : فلتنفر إذاً ) متفق عليه ، مما يدل على أن هذا الطواف لا بد منه ، وأنه حابس لمن لم يأت به ، ووقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة ولا آخر لوقته عند الجمهور بل يبقى عليه ما دام حياً ، وإنما وقع الخلاف في وجوب الدم على من أخره عن أيام التشريق أو شهر ذي الحجة .

فالقارن والمفْرِدُ ليس عليهما إلا سعْيٌ واحدٌ وطواف واحد: طواف الإفاضة، وهو رُكنٌ من أركان الحَجِّ، وطواف الوداع وهو واجبٌ عند الجمهور.

وأما طواف الإفاضة فالمستحب تعجيله يوم النحر كما يجوز تأخيرُه إلى آخِرِ أفعال الحجِّ، وفي تلك الحال يقوم مقام طوافِ الوداع والإفاضة معاً؛ لأن طواف الوداع ليس مقصوداً لِذاته، وإنما المقصود أن يَكونَ آخِرَ العهدِ بالبيتِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ" (رواه مسلم عن ابن عباس وأصله في البخاري).

فلما كان آخر العهد بالبيت طواف الإفاضة أغنَى بذلك عن طواف الوداع، وعليه في هذه الحالة أن ينويَ الإفاضةَ لا الوداعَ، وإن نواهُما جميعاً فلا حَرَجَ.

وقد اختلف أهل العلم في المجيء بالسعي بعد هذا الطواف، فمنهم من أوجب عليه أن يطوف للوداع؛ لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت الطواف، بل السعي، ومنهم من قال:

- لا بأس أن يأتي بسعي الحج بعد ذلك الطواف، وكونُ السعي بعد الطواف لا يَمْنَعُ أن يكون آخر عهده بالبيت، لأنه فاصلٌ يسيرٌ؛ ومما يدلُّ على ذلكِ قَوْلُه صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَن بن أبي بكر: "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِن الحَرَم فَلْتُهِلَّ عُمْرَة ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافكُمَا" الْحَدِيثَ؛ (متفق عليه عن عائشة)، وليس فيه أنه أمرها بطوافٍ للوداع بعد ما طافت وسعت للعمرة.

- قَالَ ابْن بَطَّال في (شرح البخاري): "لا خِلاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْمُعْتَمِر إِذَا طَافَ فَخَرَجَ إِلَى بَلَده أَنَّهُ يُجْزِئهُ مِنْ طَوَاف الْوَدَاع، كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَة".

- وقال الحافظُ في (فتح الباري): "ويستفاد من قصة عائشةَ أنَّ السعْيَ إذا وقع بعد طواف الرُّكنِ ، 
إن قلنا إن طواف الركن يُجْزِئُ عن الوداع، إن تخلَّل السعيُ بين الطواف والخروج لا يقطع إجزاءَ الطوافِ المذكور عن الركن والوداع معاً".

- وقال الشيخ ابن عثيمين رحِمه الله في سلسلة لقاءات الباب المفتوح: "إن نوى طواف الوداع فقطْ لم يُجزئْ عن طواف الإفاضة؛ لأن طواف الوداع واجبٌ وطوافَ الإفاضة رُكنٌ، بل إنَّ طواف الوداع سنةٌ عند كثيرٍ من العلماء وطوافَ الإفاضة ركنٌ، وإن نوى طواف الإفاضةِ فقد أجزأ عن الوداع؛ لأنه أعلى منه، ولأنَّ المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت؛ وقد حصل، فيجزئه طواف الإفاضة عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضةُ في المسجد عن تحيَّة المسجد".

وقال: "إن نواهما جميعاً جاز؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنما لكُلِّ امرئٍ ما نوى".أ.هـ.

.. وعليه؛ فيجوز للقارِنِ والمفْرِد تأجيلُ الطواف والسعيِ إلى آخِرِ الحَجِّ؛ بحيث يطوف بنيَّة الإفاضة فقطْ أو بنيَّة الإفاضة والوداع، ثم يسعى للحج بعد ذلك، لكن إن طاف للقدوم وسعى للحج قبل يوم عرفة، فإنه أفضل وأحسن، فإنه لن يكون عليه بعد ذلك سوى طواف الإفاضة، وبإمكانه أن يجمع بينه وبين طواف الوداع، والله أعلم. 

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك