يوسف بورحيل المسماري (1866 - 19 ديسمبر 1931) الملقب بوخديدة، نائب وخليفة عمر المختار في قيادة حركة الجهاد وقائد دور العبيدات في برقة في ليبيا.
مقاوم ليبي حارب قوات الغزو الإيطالية منذ دخولها أرض ليبيا إلى عام 1931. حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 38 عاماً، واستشهد بعد إحاطة دورية إيطالية له. وتوفي عن عمر يناهز 65 عاما.
نسبه
يوسف بورحيل المسماري وهو من بيت حسن من عائلة خضرة من قبيلة المسامير المعروفة بالجبل الأخضر وهي من قبائل المرابطين وأمه فاطمة الكريه من قبيلة القطعان.
مولده ونشأته
ولد يوسف بورحيل المسماري عام 1866، تقريبا بمنطقة مدور الزيتون بالقرب من قرية تاكنس شرق مدينة المرج.
عرف يوسف بورحيل بلقب بوخديدة لأنه سقط في النار وهو طفل صغير ولهذا تأثير خده الأيمن وجفن عينه أيضا وبقي اثر هذا الحرق واضحا علي وجهه حتى استشهاده.
كان متوسط الطول يميل إلى النحافة أبيض البشرة وأيضا وكان يمتلك أناقة يهتم كثيرا وقد برزت من خلال مظهره الأنيق شخصية مميزة بين رجال عمر المختار وكان منضبطا في حياته عسكريا وأخلاقيا وكان فقيها في أصول الدين كما انه امن من الطراز الأول يمتلك موهبة عالية في الحديث واللباقة ولذالك وصفه الشيخ عبد السلام الكزه آنذاك بأنه عقل حركة الجهاد.
تلقي بورحيل تعليمه علي أيدي فقهاء النجع من أهله ثم أرسله والده إلي الجغبوب ودرس بها حتى تخرج من هناك، وقد درس بورحيل في زاوية الجغبوب علوم الفقه والدين والتفسير والعديد من العلوم الاخري وفي هذه الزاوية تعرف بورحيل على عمر المختار وكان يكبره بسنوات وأصبحت هناك علاقة قوية بين الرجلين.
معلم يتحول إلى مجاهد
بعد تلقي بورحيل دروس علوم القران أصبح معلما في زاوية القصور حيث كان عمر المختار شيخا لها وكثيرا ما كان بورحيل ينوب عن عمر المختار في الإشراف على تعليم الصغار وتسهيل الأمور للمعلمين وللطلبة بزاوية القصور لان عمر المختار كان كثير الترحال، وبما إنهما كانا رفيقا دراسة قبل ذلك فالصلة بينهما كانت صلة وثيقة وقديمة، وعندما تشكلت الأدوار للمرة الثانية بعد عام 1923 م، بقيادة عمر المختار نشبت عدة معارك بطولية اظهر فيها بورحيل براعة في تدبير الخطط الحربية واستغلال أفضل الفرص لضرب الأعداء ضربا موجعا بأقل الخسائر مما زاد صلته بعمر المختار فأصبح وجوده بالدور ضرورة لإستراتيجية إدارة المعارك وتمديد مواعيد ومواقع الهجوم وكانت له نظرة صائبة وفكرة صحيحة وعبقرية عسكرية تدير المعركة ولإلحاق أكبر الخسائر بالخصم مع النجاة من أي ضرر قدر الإمكان.
القيادة
وفي سنة 1922م عينه الشيخ عمر المختار نائباً له وقائم م قام لدور ال براغيث (الجبارن) والذي سمي بهذا الاسم لوجوده بمنطقة البراغيث. وقد أصدر الشيخ عمر المختار هذه التعيينات في شكل قرار عام يشمل قادة المجاهدين من مختلف قبائل الجبل الأخضر الذين رفضوا الاستسلام لإيطاليا، كما شمل تعيينات أخرى في منا ص بإدارية ومالية ودينية وقضائية لتنظيم حركة الجهاد.
وإلى جانب منصبه كنائب للشيخ عمر المختار في قيادة حركة الجهاد على مستوى الجبل الأخضر، أصبح عضوا ً في المجلس (العسكري الأعلى) الذي يتكون من رؤساء الأدوار بالمنطقة الشرقية (برقة)ويشرف عليها، وكان المجلس برئاسة الشيخ عمر المختار وعضوية كل من المجاهد يوسف بورحيل والمجاهد حسين الجويفي، والمجاهد الفضيل ابوعمر، والمجاهد محمد الشركسي والمجاهد موسى غيضان والشيخ محمد مازن، والمجاهد محمد العلواني، والشيخ جربوع سويكر، والمجاهد قطيط الحاسي، والمجاهد رواق درمان والمجاهد عبد الحميد العبار والمجاهد عصمان الشامي والمجاهد حمد بوخيرالله البرعصي والمجاهد صالح أ بو مطير العوكلى والمجاهد عوض العبيدى.
وكان المجاهد يوسف بورحيل يترأس هذا المجلس في حالة غياب الشيخ عمر المختار. ومهمة هذا المجلس استشارية وهو في حالة انعقاد دائم لمواجهة الطوارئ والإسهام في حل المشاكل التي قد تحدث بالدور.
كان بورحيل قد شارك في أغلب المعارك التي قادها عمر المختار وكان بورحيل الذراع لعمر المختار وشريكه في خطط الحرب ورجل أمنه في المفاوضات وعقله الراجع في منازعات القبائل حيث قال عنه شيخ الشهداء (لا يوجد عمر المختار بلا يوسف بورحيل)، لذالك عندما استشهد الفضيل بو عمر تولي بورحيل كتابة مراسلات عمر المختار بل اعتمد عليه في جميع الأمور حتى أن غراسياني أطلق عليه (قائما بإعمال القائد) ولهذا صار أحد شروط سلامة الدور وجود بورحيل فيه واصدق دليل علي ذلك انه قاد أكبر معارك عام 1923 م، وهي معركة جردس والتي هزم فيها الغزاة الطليان وكانت الغنائم فيها كبيرة للمجاهدين.
المهمه الصعبة
ظل بورحيل يخطط ويهاجم الغزاة تحت أمرت عمر المختار حتى استشهد عمر المختار في عام 1931 م، لذلك اجمع أغلب قادة الأدوار والمجاهدين علي اختياره قائدا للجهاد، وكلف المجاهد احمد الشريف بورحيل لقيادة حركة الجهاد رسميا، وقال في رسالته بان(هذا التعيين ليس منا لكنه بناء علي توجيهات عمر المختار في وصيته عن الجهاد)، وهذا يدل علي مدي ثقة عمر المختار باستمرار حركة المقاومة تحت قيادة بورحيل بعد غياب عمر المختار عن ساحة الإحداث، كما أرسل احمد الشريف رسالة شخصية ألي بورحيل وأوصاه فيها بتقوى الله في السر والعلن والصبر والجد والإخلاص في العمل لله ورسوله والوطن والمسلمين والاستمرار في الجهاد علي نهج عمر المختار.
استلم بورحيل حركة الجهاد قائدا جديدا يتحمل أصعب مسؤولية عرفها في حياته ولم يتأخر بل انتهج خط رفيقه وقائده في المقاومة الوطنية ولكن الواقع علي الأرض أصبح شيئا أخر كما سبق ذكره وتغيرت طبيعية المعركة فقد وجد الغزاة حليفا عاتيا لهم وهو الجوع الذي كان موتا يهدد المجاهدين وكذلك انتشار الإمراض والفقر بكثرة لذلك تري الرجال تتأرجح من شدة الجوع والمرض وذلك حسب روايات المجاهدين.
لقد مرت أربعة أشهر مريرة وطويلة علي استشهاد عمر المختار واستلام بورحيل لقيادة المجاهدين ولم يتوقف خلالها القتال يوما واحدا بالرغم من الحصار ونقص الامدادت الغذائية والحربية التي كانت تمر عبر الحدود التي أغلقها الغزاة الطليان أما بالأسلاك الشائكة أو الحراسة المشددة، كما أن المعتقلات الجماعية التي أقامها الغزاة أحكمت القبض علي الأهالي التي كانت تمد المجاهدين بالتموين والمعلومات عن تحركات وأماكن العدو.
شعر بورحيل بهذا الواقع الصعب وانه استلم مهام صعبة جدا في ظروف غير ملائمة ورأي بعينه رجاله بلا سلاح ولا ذخيرة ولا طعام ومنهم من أصبح غير قادر علي حمل السلاح من شدة الإنهاك الجسمي، لذلك أدرك بورحيل في ظل هذه الظروف بان نهاية الجهاد قد دنت وأصبحت واضحة وأن شرف الخروج من هذه المحنة أصبح شيئا حتميا لكنه خروج دون تنازلات ولا خنوع ولو كان الثمن الموت، لهذا عقد بورحيل اجتماعا بالمجاهدين وقادة الأدوار العسكرية وقال لهم ((لقد هاجر أحباب من قبل وهم موزعون على السودان ومصر ومناطق أخرى وقد قمنا بما يحتمه الواجب المقدس وواجب الوطن العزيز ولم يسبق اليوم جهد للنضال وإيطاليا تطالبنا بالاستسلام وإلقاء سلاحنا وهذا معناه العار والذل)) وفي نفس الاجتماع طالبهم بإعداد خطة وحكمة لمهاجمة الأسلاك الشائكة علي الحدود المصرية وخروج نحو منطقة السلوم ومنها ألي مصر حتى يصبح هناك تجمع خارج الوطن لحركة الجهاد في ظل ظروف أحسن من التواجد في الداخل حتى لا يتم القضاء نهائيا علي الحركة الجهاد، وكانت الخطة تقتضي بتقسيم المجاهدين إلى أربعة مجموعات وكانت أكبر مجموعة قادها المجاهد عبد الحميد العبار والمجاهد ادم المنصوري وبلغ عددها حوالي 74 مجاهدا حيث تمكنت هذه المجموعة من عبور الأسلاك والحراسة الإيطالية المشددة واتجهت إلى منطقة السلوم.
الاستشهاد
كان بورحيل ومجموعته التي يقودها بورحيل فقد اصطدمت بدورية إيطالية كبيرة بقيادة الملازم الإيطالي برنديسي (Brnadeci) مما اضطر بهم للعودة داخل الحدود وقد قامت معركة علي الحدود بين الطرفين في 19 - ديسمبر - 1931م، قرب زاوية أم ركبة تقع شرق مدينة طبرق بمسافة 125كم، ولكن الدورية الإيطالية إحاطة بالمجموعة المكونة من يوسف بورحيل وثلاثة من رفاقه فاضطروا إلى ترك خيولهم تحصنوا بأحدي المغارات وصمدوا وقاتلوا حتى استشهدوا جميعاً، وكان البلاغ الإيطالي الصادر في أول فبراير من عام 1932 م، بأنه ((عندما انتهي إطلاق النار مع مجموعة من الثوار حاولت اقتحام الحدود المصرية تقدم نحوهم الملازم برنديسي فوجد أربع جثث لم تزل بنادقهم حامية في قبضة أيديهم وكان احدهم يوسف بورحيل وقد اظهر مع رفاقه الثلاثة بسالة حتى أخر دقيقة في حياتهم)).
ولم يكتفي الغزاة الطليان علي عادتهم بقتل يوسف بورحيل ورفاقه الثلاثة بل تم التمثيل بجثثهم آنذاك وقطع رأس يوسف بورحيل بالقرب من زاوية أم ركبة ونقل رأسه في علبة صفيح إلى البردي للتعرف عليه ثم نقل رأسه إلي المعتقل بنينه لعرضه علي الأهالي المحتجزين داخل المعتقل وذلك للحط من معنوياتهم وإجبارهم علي الاستسلام التام للغزاة الطليان.
كان يوسف بورحيل مثله مثل قائده عمر المختار فلم تلمس أيديهم الطاهرة أي مبالغ نقدية من الغزاة للتفريط في شبر واحد من وطنهم وفضلوا الاستشهاد دون أن تمس أيديهم أيدي الغزاة والعملاء الذين تلطخت أيديهم بدماء الأهالي. وكانت هذه نهاية الرجال الإبطال الذين دخلوا التاريخ الليبي من أوسع أبوابه وقدموا الدم والفداء من اجل وطنهم وسيظل هذا البطل بورحيل أحد العلامات المشرفة في حركة جهادنا وسنظل تحترم تاريخ واستشهاد كل رجال هذا الوطن.
أصدر الإيطاليين بيانا ً عاما ً نشر في الصحف الإيطالية والعربية الصادرة في ليبيا، وقد جاء في البلاغ الإيطالي ما يلي : ((وقد أظهر يوسف بورحيل ور فقاؤه الثلاثة بسالة مدهشة حتى آخر دقيقة من حياتهم، وهكذا انتهت حياة الرئيس العظيم البرقاوى أحد تلامذة مدرسة الجغبوب القرآنية ومستشار عمر المختار)).
اخر كلمات الشهيد
استشهد يوسف بورحيل المسماري داخل حدود وطنه وكان حلمه قد تحقق عندما قال لأصحابه وهم متجهون نحو الحدود المصرية ((أما انتم يا إخواني فشباب، لكم في مصر اسر، ولكم في العمر براح، أما إنا فقد جاوزت الخامسة والستين ولا أري أن هناك مدفنا يليق بي خارج هذا الوطن وفي غير هذا الميدان)).
يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.