هذه قصة جميلة جدا من قصص اهل البادية والعرب ، تحكي لنا قصة شخص اسمه عمار وقصته مع عبد عنده وقصة اخته واهل بيته مع هذا العبد ، دعونا نقرأها ونستخلص العبر منها .
كان هناك رجل تزوج بإمرأة فاتنة الجمال من بناة عمه فرزق من زوجته ستة أولاد وكان يعيش مع زوجته وأولاده في سعادة ورخاء وكان للزوجة والد وأخ وعبد وكان الوالد كبير السن لا يكاد يخرج من البيت والأخ شاب في مقتبل العمر لا يكاد يعود من غزوة إلا هم بأخرى أما العبد فكان يرعى إبل عمه التي كلها من الإبل الأصيلة مجاهيم أي سود.
. وكان هذا العبد يحب ابنة عمه حباً شديداً ومولع ومفتتن بها وبجمالها وقد راودها عن نفسها عدة مرات فكانت تصده عن نفسها بعنف وشدة وكان العبد يترقب الفرصة السانحة ليضرب ضربته القاضية وينال من ابنة عمه ما يريد .
وسنحت له الفرصة ذات يوم حيث كان ابن عمه غازيا فجاء العبد إلى ابنة عمه وطلب منها ما كان يطلبه فصدته وأغلظت له القول
فما كان من العبد إلا أن أخذ حربته وذهب إلى زوج المرأة فقتله ثم ذهب إلى أبيها فأرداه قتيلاً ثم جاء إلى المرأة وقد شهدت مصرع زوجها ووالدها وكرر طلبه إليها فكان موقفها هوهو لم يتغير .
فجاء بأولادها وكانوا كلهم صغاراً فطلب منها أن تجيبه الى طلبه وإلا قتل أولادها فكان موقفها صارماً وأصرت على الامتناع منه فقتل الابن الأول والثاني والثالث وهي ترى وتصر على موقفها حتى قضى العبد على أولادها الستة .
ثم أخذ الزوجة الممتنعة عليه وأركبها إحدى الرواحل وأخذ الإبل الممجاهيم وهرب بالزوجة والإبل وسار بها من صحراء إلى صحراء وكان يعرف جبالا بعيدة لايعرفها أحد وبين هذه الجبال بئر مهجورة لا يصل إليها أحد .
فسار إليها وسكن بين هذه الجبال وحفر البئر حتى أخرج ماءها فصار يسرح بالإبل ويأوي إلى زوجة عمه عند هذه البئر وأدرك مقصودة من هذه المرأة عندما رأت أنه لا مفر لها ولا سبيل إلى الامتناع ورزقت منه ولداً ثم رزقت منه آخر كأنهم أفراخ الغربان .
وكان في إمكان هذه المرأة أن تتحايل عليه وتقتله ولكنها إذا قتلته فأين تذهب وكيف تهتدي إلى طريق لقد جاء بهما إلى مجاهل في الصحراء لا يطرقها أحد ولا يهتدي إليها قاصد .
وكانوا لا يرون في هذا المورد إلا غرابا أسود يأتي إذا وردت الإبل فيأخذ من أوبارها ثم يطير إلى حيث لا يعرفون وخاف العبد من هذا الغراب أن يدل عليهم بهذه الأوبار التي يأخذها من ظهور الإبل وحاول العبد قتل الغراب فلم يستطع .
ونصب له فخاً فلم يقع فيه وحاول بكل وسيلة أن يقضي على هذا الغراب ولكن الغراب كان حذرا واعيا لا تنطلي عليه الحيلة ولا يترك مجالا لكي يصطاده العبد وأخيرا يئس العبد من صيده وتركه على مضض يرد بورود الإبل فيأخذ من أوبارها ( شعرها ) ثم يطير حتى يختفي عنهم وراء الجبال ورجع أخو المرأة من إحدى غزواته وعندما قرب من مضارب أهله أحس إحساساً خفياً بأن في الأمر كارثة وقرب حتى أشرف على الحي فوجد الهدوء يخيم عليه ولا أحد يروح ولا أحد يجيء وازداد تشاؤمه وازداد وجومه واستمر في سيره حتى وصل إلى الديار فرأى جثة والده وجثة زوج أخته وجثث الأطفال تتناثر حول البيوت وكاد أن يصعق من هول المنظر لولا أنه كان يتمتع بكثير من الجرأة والشجاعة وأن مناظر القتلى والدماء ليست غريبة عليه فطالما فتك وطالما قتل وطالما شاهد أمثال
هذه المناظر ولكنها ليست من أقاربه أنها من قوم أعداء يغير عليهم ويغيرون عليه ويقتلون اذا قدروا عليه ويقتلهم إذا قدروا عليه
تماسك الرجل وعاد إليه بعض الهدوء عندما مرت الصدمة الأولى ورأى كل شيء على حاله ولم يفقد إلا الإبل المجاهيم وأخته والعبد فعلم بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا من صنيع العبد وأن العبد قد أخذ أخته وأخذ الإبل وهرب بالجميع ولكن أين هرب بهم إنه لا يدري
ولكنه لا بد ان يكون دافع الـخـــوف والطمع سوف يسوقه إلى مكان بعيد لا يصل إليه ومع هذا فإن الأخ الشاب لم يفقد الأمل في العثور عليه مهما طال المدى .
وأخذ الشاب تلك البقايا الباقية من الأموال وأودعها عند أحد أبناء عمه ثم ركب راحلته وصار يسير من حي إلى حي ويسأل عن هذا العبد ولا أحد يعطيه أي خبر ولم يفقد الأمل بل كان مصمماً على الوصول إلى نتيجة واستمر في أسفاره وتنقلاته من حي إلى حي ومن ديره الي ديره حتى وصل ذات يوم إلى أبيات في سفح جبل وأناخ راحلته عندهم ليرتاح وليسأل فرحب به القوم وأكرموه وسأل عن العبد فأخبروه أنه لا علم لهم به ونظر إلى عجوز تغزل وبراً ( شعرا ) أسود فأحس أن هذا الوبر من إبله ان لون الوبر هو لون وبر أباعره وسأل العجوز من أين هذا الوبر فقالت انني آخذه من تلك الشجرة من عش غراب وهو يأتي بهذا الوبر من وراء تلك الجبل
وأحس الشاب ببعض الراحة وأحس إنه أمسك طرف الخيط وأنه سيقوده إلى مبتغاه وبقي الشاب في الحي يراقب الشجرة ويترقب ذهاب الغراب ثم عودته ورأى الغراب يطير من تلك الشجرة فراقبه في طيرانه حتى اختفى عنه وراء تلك الجبال فتبع أثره
وسار في الاتجاه الذي اتجه إليه الغراب وعلا على تلك الجبال ثم هبط منها ثم علا جبالا أخرى وهبط منها وهو يراقب الغراب في كل يوم عندما يمر به غاديا أو رائحاً ويتجه إلى حيث يذهب الغراب واستمر في التغلغل بين تلك الجبال حتى أشرف ذات يوم فرأى المورد ورأى الإبل ورأى العبد ورأى البيت وأخته تروح وتجيء واختفى الأخ تحت صخرة من الصخور وعلم أنه الآن وصل إلى ما يريد وبقي أن يرسم خطة ناجحة للقضاء على هذا العبد إن العبد قوي وهو رام ماهر لا يخطئ وهو شجاع فاتك لا يهاب الموت .
إذن لا بد من اللجوء إلى المكيدة إلى الخدعة إلى أخذ العبد على غره وأسقى العبد إبله ثم ذهب بها إلى المرعى وترك المرأة وأولادها في البيت وجاء الأخ يمشي متخفياً حتى قرب من البيت الذي فيه أخته وسمعها تنشد شعراً
يـا طــول مـاني عـمـة لـك صبـيـحة
واليوم يا عـبــــد الـــخــطـا صرت لي عم
ومن أول في السوق تشري الذبيحة
لأســيــــــــادك اللي كل ما دبــــــروا تم
لأهل الـعـطـــــايــــا والدلول المليحة
وأهل السيوف اللي لـــعـــــــابيـــنها دم
ماتوا بغدر العبد لا في فـضـــيــــــحة
وراحوا لربٍ يـــكـــشــــف الـهـم والـغـم
أرجيه يرحم طايح في مــــطـيـــحــة
ويشفي غليلي في أسود الخال والعم
بأخوي ذخري في الليالي الشحيحة
هــــو بـــعـــــد أبــــــوي الأب والأخ والأم
فلما سمع أخوها هذه الأبيات فرح واطمأن إلى أنها لم تذهب مع العبد هوى منها ورغبة وإنما ذهبت في ظل الخوف والإرهاب الذي لا شك أنها تعرضت له وكان الأخ قد صمم على قتلها ثم قتل العبد ولكنه علم بأنها مكرهه وأنها تعيش في وضع تأنف منه ولا ترضاه قرر أن يتعاون معها على قتل العبد .
وجاء إليها يسعى وما اشد دهشتها عندما رأت أخاها وما أشد فرحتها عندما عانقته وقبلته ونظر الأخ حوله فرأى ولدين لأخته كل واحد منهما كأنه قطعة من الليل وقال لها أخوها ما هؤلاء فقالت أولاد العبد وسألها عن قصتها مع العبد فأخبرته وسألها عن موعد مجيئه ورواحه فأخبرته بكل شيء .
ورسم الخطة هو وإياها متى يقتله .. وكيف يقتله .. وقالت له أخته إن أفضل وقت تقتله فيه ليلاً عندما يأتي بالإبل فتأوي إلى مباركها ثم ينشغل بحلبها وأفضل طريقة هي أن تقتله إذا جاء يحلب الناقة الفلانية وهي ناقة نحوس أي صعبة المراس فإنه لا يحلبها إلا إذا ربطها ثم دخل تحتها ففي هذه الحالة يمكنك أن تدنو منه لبعد خطوات ثم تسلط عليه السهام واختفى الأخ تحت إحدى الصخور بعد أن رسما خطة الهجوم وجاء العبد ليلاً وانشغل بحلب الإبل حتى أتى دور الناقة النحوس الصعبة المراس فلما عقلها ودخل تحتها قرب منه حتى لم يبق بينه وبين العبد إلا عدة خطوات ثم أطلق عليه سهماً فلم يصب منه مقتلاً إلا أنه بتر ساقه وبهذا بقي حياً ولكنه لا يستطيع حراكاً .
فالتفت العبد ورأى أخا المرأة فأيقن بالهلاك وعلم أن الغراب اللعين هو الذي دل عليه ولما أراد الأخ أن يجهز على العبد طلب منه أن يعطيه مهلة قليلة يقول فيها كلماته الأخيرة في الحياة فتوقف الأخ عن الإجهاز عليه ، منتظراً ما سيقوله العبد وما سيختم به حياته المليئة بالغدر والخيانة والوحشية وفكر العبد قليلاً ثم أنشد شعراً
حبلت لغراب البين من عام الأول
وعيـا غراب البين ياطا الكفايف
وبغيت أصيده بالتفق وانتبه لي
وطار بـوبرها في شبوره لفايف
وعرفت يا عـمــــار إنــــك تجيني
وأنا لاجئ مابين الأضلاع خايف
واليوم أنا حصلت ما كنت أريده
ودنيــاي بعده ما عليها حسايف
يا طول ما وسدت راسي ذراعه
ويا طول ما مزيت ذيك الشفايف
وافعل بعبدك بعد ذا ما تــــورى
الأيــام هذه طبعها في الطوايف
يوم على الأضـــداد نــار لـضـيـه
ويوم على الإخوان هم والعرايف
وبعد أن أنهى العبد شعره أراد عمار أن يجهز عليه ولكنه تذكر أولاده فجاء بهم أمامه واحداً واحداً وصار يقتلهم والعبد يرى ويتألم ولكن لا حيلة له وتلك سنة سنها العبد بنفسه انها طريقة فيها قسوة وفيها وحشية ولكنها قصاص ولكنها معاملة بالمثل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين .
ولكن عماراً لا يستطيع صبراً ولن يحمل هؤلاء الغربان معه حتى لا يذكروه بمأساة أخته وبعد أن قضى عليهم أجهز على العبد وهو لا يحير جواباً ولم ينطق بأي كلمة بعد الأبيات التي أنشدها سابقاً .
فلما قضى عمار على العبد جره برجله وألقاه في البئر ثم أتبعه بأولاده ثم جمع حطباً كثيراً وألقاه في البئر حتى امتلأت وأوقد فيه النار ثم رحل بأخته وأخذ معه ذود الإبل التي كان العبد قد هرب بها .
ولم تشعر قبيلة عمار إلا بعمار يقدم عليهم ومعه أخته ومعه إبله ففرحوا بقدومه فرحا شديداً وأقاموا الأفراح وحفلات البهجة ثم خطبت أخت عمار منه فزوجها
يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.