
جريجوري يافيموفيتش راسبوتين (22 يناير 1869 - 16 ديسمبر 1916)، راهب روسي. ولد في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا،قبل أن يصبح مقرباً في ما بعد للعائلة الملكية في سانت بطرسبرغ.
ظهرت لدى راسبوتين في طفولته رؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات الشفاء الخارقة للعادة، إذ كان باستطاعته مثلا أن يبرئ حصانا بمجرد لمسه، لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين (أي الفاجر بالروسية) بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة وتحوله من حياة الرهبنة الى حياة الرذيلة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية، وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان بداية تحول في حياته هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية رحل راسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء روسيا وخارجها، وخلال هذه الرحلات لم يغتسل أو يبدل ملابسة فيها لفترات طويلة بلغت عدة أشهر وكان يرتدي قيودا حديدية زادت من المعاناة، وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل اثوس باليونان وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل " هيرموجن، أسقف ساراتوي".
وأثناء فترة تجواله، أصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزع إلى الجلد والممارسات الجنسية، ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والأفعال الجنسية غير الشرعية وخاصة الفاضح منها هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارسات راسبوتين الدينية فيما بعد، فلم تفارقه أبدا فكرة أن الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربا من الله إذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوحا.
بحلول العام 1903م وصل إلى سان بطرسبرغ كلاما عن قوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة ونظرة مجنونة، وبدا أن راسبوتين كان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب، وقد ساهم في ذلك أن الطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم وكانت عمليات تحضير الأرواح أمرا مألوفا.
وفي عام 1905م قابل راسبوتين عالم لاهوت كان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة، إلكسندرا فيودوروفونا، وقدم للبلاط من خلال تزكية مسئولي الكنيسة العليا وراهبتان سوداوتان الشعر كانتا تعرفان باسم الغرابان كانتا فعالتان بإمداد البلاط بالصوفيين، وكان للأسرة الملكية الروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق، خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.

وتقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذي أصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
وبذيوع شهرة راسبوتين نجح في جذب المزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية، وقد تطوع هؤلاء البلهاء كما كان يطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمام جاذبيته.
يزغ نجم الراهب راسبوتين في سان بطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه، إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكر والعربدة وغالبا ما يكون بصحبة العاهرات، وحين علم مسؤولون سياسيون كبار بهذه الشائعات كلفوا شرطة سرية بتعقبه.

وفي اليوم التالي تلقى برقية وبينما كان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف تدعى شيونيا جاسيايا بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات التي أوصى بها ليودور كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسي أرواحهم، وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية وساهم في تعيين وطرد الوزراء.
وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
وفي ديسمبر عام 1916م كتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله، وعن قتلته المحتملين كتب يقول" إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صل أرجوك، صل، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".
وبعد ثلاثة وعشرين يوم فقط قتل اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين، وبعد مرور تسعة عشر شهرا على مقتله أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين، فقد تزامن مع نبوءته أن حضر راسبوتين لمقابلة الأمير فيليكس يوسوبوي الزوج لإيرينا ابنة أخ القيصر، وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين شأنه شأن ابنا عم القيصر الغراندوق ديميرتي بافالويتش والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتين والحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
.jpg)
وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عن وجود مياه في الرئتين أن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر، وقد فسر بعض العلماء في محاولة لفهم عدم تأثرة بالسم بإصابته بنقصان الحمض المعوي ويقول البعض ان معاقرته للخمر ابطلت مفعول السم، ولكن انتشرت الاشاعات انه كان يتعاطى كميات ضئيلة من السم يوميا ليحمي نفسه في حالة ان حاول أحدا قتله.
وكانت نهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا، فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام 1917 م بأخر جيل من سلالة رومانوف، وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولة بإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا، وقد قام الناس خلال ثورة فبراير عام 1917 م بإخراج جثة راسبوتين وحرقها.
تحوم الكثير من الشكوك عن ان تكون المخابرات البريطانية هي المسئولة عن إغتيال راسبوتين، حيث انه حث القيصر على بدء مفاوضات فردية مع الألمان لإنسحاب الجيش الروسى مقابل السلام، مما يعرض بريطانيا لخسارة حليف مهم "روسيا" في هذه الحرب، لذلك قامت المخابرات بقتله, وقد وجد بعد 80 عام صور الٌتقطت للجثة بعد العثور عليها أثبتت ان الطلقة المستخدمة في القتل من مسدس بريطانى الصنع لأنها تحتوى على رأس معدنى كان يٌعتبر محرماً استخدامه في روسيا في هذا الوقت وبتوافق مع نوع من المسدسات البريطانية الصنع وكما أثٌبت ان الرصاصة أطلقت على منطقة الجبهة من مسافة قريبة، مما لا يجهض الرواية التي تقول انه تم قتله من الخلف بعد أن حاول الهروب.
يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.