الغزو الثقافي الذي ترك بصمته على الشباب




تشهد الدول العربية انفتاحا كبيرا في ظل العولمة والإعلام المفتوح على كل المستويات الاقتصادية السياسية وغيرها وأحد معالم هذا الانفتاح المسلسلات المدبلجة التي غزت الشاشات العربية وعلى  رأسها المسلسلات التركية التي عرفت أعلى نسب مشاهدة وبالتالي استحوذت على قلوب المشاهدين وأضحت معشوقة لدى  الجماهير ونلاحظ  أن معظم أو أغلب الشاشات العربية تبث المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية والمصرية والمسلسلات المكسيكية باللغة العربية الفصحى أصبحت أقل طلبا من سابقتها.
ونجد أن أغلب المسلسلات التركية تحكي قصص الحب في طرق مختلفة وتظهر  المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع التركي سواءً الطبقية أو الفروق الاجتماعية وحتى تدهور بعض المفاهيم الأخلاقية بالنسبة لهم كشرب الكحول وإدمان المخدرات وغيرها من الآفات الضارة.
في المقابل انقلبت أساطير الجمال والأناقة لدى المشاهد العربي فأصبح يتشبه بالممثل التركي والممثلات التركيات فيتبعن موضتهم أو طريقة إطلالتهم  على الشاشة من خلال لباسهم  وقصاتهم.
وأصبحت الفتاة العربية تأخذ الممثلين الأتراك كمعيار للجمال بالمقارنة مع الوجوه العربية الذكورية البسيطة وذات الملامح المعروفة وأصبحت معظم الفتيات خاصة المراهقات يضعن صور الممثلين الأتراك في دفاترهم أو كبوستارات بغرفهم وحتى  صور بروفيلاتهم على الفايسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي ويترقب كل شاردة وواردة عن محبيهم  الأتراك.
نفس الحال بالنسبة للشباب فأصبحت الممثلات التركيات كسمر بطلة مسلسل « العشق الممنوع» و«فريحة» و«لميس» بقمة الرقة والجمال ومثال الأناقة والشخصيات المثالية.
في نفس السياق فقد نشرت المسلسلات التركية معاني غريبة من خلال تأثر المشاهدين بها على المجتمع مثل مسلسل « العشق الممنوع» الذي يحكي زواج شخص مسن بإمرأة شابة ثم تقع هي في شباك الخيانة مع قريبه الذي يقربها سنا وفي الأخير تنتحر وترك هذا المسلسل صدى كبير لدى المتفرجين حيث ذهب الكثيرإلى تبرير الخيانة التي يحرّمها الدين والمعتقد والمجتمع العربي المحافظ.
نفس الشيء بالنسبة لمسلسل « اسميتها فريحة» الذي  يوضح قصة فتاة فقيرة لكنها فائقة الجمال وتقع في حب شاب غني جدا وتبدأ المشاكل بينهما جرّاء الفوارق وتبدأ الفتاة بالكذب كي تظل مع محبوبها.
تعددت المسلسلات التركية من ناحية المحتويات وغزت شاشاتنا منها أفلام واقعية، بوليسية عاطفية لكن يغيب تماما، منها الأفلام الدينية نظرا لأنها الدولة التركية هي لائكية في دستورها والتي تحفز على عدم نشر أي شيء له علاقة بالمعتقد أياً كان وحتى الأفلام  التاريخية التي لاقت أعلى نسب مشاهدة مثل مسلسل « حريم السلطان» الذي يحكي عن حياة وفترة حكم الملك  سليمان القانوني الذي أقام أكبر امبراطورية عثمانية آنذاك لا يتطرق إلى الجانب الديني والمعتقد الإسلامي في تلك الفترة.
ويتناول هذا المسلسل جانب عاطفي جدا حيث يوضح مكائد نسائية فيما بينهن والحقد الدفين والغيرة عليه وحب الاستحواذ على الملك ولكن هذا المسلسل أسال الكثير من الحبر حيث إن الملك سليمان كان من أعظم ملوك الامبراطورية العثمانية وكان قليل المكوث مع النساء عكس ما يشار إليه في المسلسل وكثير الفتوحات حيث يذكر في كتب التاريخ  أن  الملك سليمان القانوني أطلق عليه هذا اللقب القانوني لصرامته اتجاه  القانون وحرصه على تطبيق الشريعة السمحاء وايصاله للدين الاسلامي  بأقصى الغرب والشرق آنذاك .
ولقد انعكست المسلسلات التركية على المجتمع العربي فأصبح  المشاهد العربي البسيط يهضمها ويتفاعل معها إلى أبعد حد وصل ذلك إلى اتخاذ أغاني جينريك المسلسلات إلى رنات هواتف محمولة من كثرة اعجابهم  بالموسيقي التركية الرائعة التي لها إيقاع جيد ومتميز .
فأصبحت حتى المطاعم التركية أكثر إقبالا من غيرها ، كما هو الحال بمدينة وهران  التي لاتزال  تشهد ازدهارا كبيرا مطاعم الأكل التركي لا تفرغ  من زبائنها  ليل نهار وحب متتبعي المسلسلات تذوق المأكولات  التركية مثل البرك، الكباب، والشورمة.. وتعد نشر للثقافة التركية وافتحت كذلك الكثير من محلات الألبسة التركية من ألبسة السهرات إلى الألبسة الجاهزة والذي  يستقطب أكبر عدد من المشترين هي  تلك التي ارتداها الممثلون الأتراك ويضع باعة الملابس صور هؤلاء الممثلين بالألبسة التي يبيعونها للترويج وبيع سلعهم وهذا يلقى استحسان وإقبالا كبيرا جدا من قبل الزبائن المتأثرين بالمسلسلات التركية.
ومن جهة أخرى فإن الإحصاءات تشير إلى قفزة نوعية في السياحة التركية حيث أصبحت تركيا الوجهة المفضلة لدى المشاهد العربي و أصبحت  معالم  اسطنبول الشهيرة كمسجد « آيا صوفيا» ومنارة  اسطنبول وبحر مرمرة والبوصفور تعج بالسياح
العرب الذي يجدون اسطنبول خاصة وتركيا عامة  بلد سياحي بامتياز وبجمال أخاد  ويريدون  لمس كل  الأماكن التي لعب  فيها الممثلون الأتراك ومسلسلاتهم  سواءً شوارع أو أزقة وحتى منازل مثلما هو الحال مع المنزل  الواقع على ضفة البوصفور والذي لعب فيه « مسلسل نور» وأضحى هذا المنزل  الكبير أحد أهم وأكثر المواقع زيارة بتركيا  ككل بعد أن كان  مجهولا تماما فعادت المسلسلات التركية بإنتعاش كبير على الاقتصاد التركي وانتزعت المراتب الأولى من ناحية السياحة.
ليس المشاهد العربي الوحيد هو الذي يتفاعل ويتأثر بالمسلسلات التركية  فحسب فقد تعدى ذلك لدى دول جوار تركيا كاليونان، دول  أوروبا الشرفية وحتى روسيا تبث المسلسلات التركية مدبلجة باللغة المحلية لكل بلد نظرا للإزدهار الكبير والصناعة السينمائية  المتقدمة لدولة تركيا، لكن تتفاوت نسب الإعجاب والتفاعل مع مضامين هذه الأفلام والمسلسلات التي أخذت حصة الأسد من ناحية نسب المشاهدة يوجد أشياء جيدة بهذه المسلسلات مثل سلوكات الممثلين في المحافظة على نظافة مدنهم  وثقافة غرس الأزهار والنباتات والتمدن .
فعلى المشاهد أن يكون أكثر وعيا ويتبع لب  الأمور ولا  قشورها وكي لا يكون سطحيا وينغمس بشكل كلي مع هذه المسلسلات التي مهما كان تبقى بعيدة وغريبة عن الواقع العربي.

يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك