هشاشة المناخ والصحة.. إلى أين تتجه؟



سلسبيل صبيح 



أمراض تفوق الوصف في كل مكان، أمواتٌ بالجملة، صفوفٌ من ثروةٍ حيوانية ونباتية ذهبت إلى المجهول، لَم تقع ضمن أولوية حياة ٍأبدية ولا حتى حياةٍ فانية، الموت وحدهُ هو مصيرهم جميعًا، فهل سيبقى تغير المناخِ في أواخر الأولويات، أم أننا ننتظر دخول الطبيعةِ في الموتِ الأسود والجحيم الأوحد؟
تعتبر الأقوى والأهم والأولوية الكبرى لبقاء الحياة الكونية، من بني البشرِ، والحيواناتِ، والنباتاتِ وكافةِ أنواع الحياة، التي خُلقت على وجهِ هذه البيسطة، لكي تستطيع أن تعيشَ وتمارسَ الحياةَ بمختلف أشكالها، نعم إنها الصحة، هي من أهم الأمور التي لا يستطيع أي كائن حي العيش من دون وجودها، والتنوع الحيوي بأشكاله من هواءٍ أو ماءٍ أو غذاءٍ أو حتى دواء هي جميعها نواتجَ لحياةٍ صحيةٍ إذا ما تلوثت أو تغيرت، أي أنَّ لا صحة من دونِ حياة ولا حياة بلا مخلوقات، لكن ومع كل ذلك أصبحت اليوم وعلى مرِ العصور، متهالكةً أصابتها الهشاشةُ في كافة أشكالها ومن مختلف المسببات، لتجعلها تقاوم حتى النهاية .

العلاقةُ الطرديةُ بينَ تغيرِ المناخ ودمار ِالصحة

يُعتبرُ المناخ مِن أهمِ الأمورِ الواجبُ الحفاظ عليهِ ليبقى في معدلاتهِ الطبيعية، الذي يخلق نوعًا من التوازن في أرجاء الطبيعة، فلو اختلف اختلفت تفاصيل الأرض بكل عناصرها، وإنّ ثَبت ثبتت جميع العناصر، لكن ما يشهده اليوم من تغيرات كارثية أودت بالعديد من البشر والحيوان والنباتات، حتى غَدت وحشًا يهدد الجميع، حيث قَدرت منظمةُ الصحة العالمية أن حوالي 12.6 مليون شخص يَلقون حتفهم كل عام نتيجة لطرق المعيشة أو العمل في بيئة غير صحية، مما يشكل ربع الوفيات حول العالم، إضافة إلى أنه من المتوقع أن تتسبب التغيرات المناخية في حدوث ما يقرب من 250.000 حالة وفاة إضافية سنويًا ما بين عامي 2030 و2050، ويعرف التغير المناخي بوجه عام أنه التبّدل في الأحوال الجوية والطقس في منطقة على سطح كوكب الأرض والتي تشمل عوامل المناخ المختلفة كالحرارة والرطوبة والجفاف والأمطار وحتى الثلوج بالاضافة للعوامل الخارجية الذي يُنتج اختلافها تغيرًا ملموسًا على تلك المناطق، وأهمُ أسباب تلكِ التغييرات هو بعض نشاطات العنصر البشري، التي تشكل ما يسمى بـ«غازات الدفيئة» المتواجدة في الغلاف الجوي، والتي تنتج الاحتباس الحراري، وتختلف الأنشطة المسببة للتغير المناخي وتتعدد أشكالها ومعالمها الجوية والبحرية والبرية، بالإضافة إلى السبب الآخر وهو التعدي الكبير الواقع على الغطاء الأخضر دون وجه رحمة.

الأمنُ المائي وتغير المناخ

تكمن كل التهديدات لوقوع كارثة غير مسبوقة في التعدي على إمدادات الماء العذبة، والتي يصعب الحصول عليها إذا ما تلوث المناخ، ففي حال تلوث المناخ وتغيره، أدى إلى اختلاف أشكال المياه، الجليد والسائل والبخار والحرارة الزائدة والتي تخل إخلالًا كبيرًا في ذاك التوازن، فبعض المناطق ستشهد اختفاءً للأمطار ونفاد الينابيع وجفاف المحصول النباتي وغيرها سيزداد الهطول فيها، وتصبح الفيضانات والأعاصير أشد خطورة، وفي بعضها الآخر سيزداد التبخر بازدياد درجات الحرارة ليؤدي إلى جفافها، وبالتالي إلى امتصاص الأرض الجافة أكبر كمية من الأمطار، وبالتالي نقصان مخزون المياه الجوفية والأنهار، إضافة إلى تهديدها البشر، وانتشار الأمراض بينهم، فحين ركود الأمطار التي تهطل بشكل غير اعتيادي في بعض المناطق الحارة فذلك يؤدي إلى انتشار أوسع للحشرات الناقلة للأمراض كالملاريا في مناطق أخرى، والتي ستزيد عبء التكلفة في المناطق الفقيرة لتأمين إمدادات مياه صحية وعلاج للأمراض.

الثروة الحيوانية وصحتها

 هل للتغير المناخي تأثير حقيقي على الثروة الحيوانية أيضًا؟
مع استمرار النشاطات البشرية التي تؤثر بشكل مباشر على المناخ، وزيادة حرارة الكوكب، نتيجة غازات الدفئية، هي أيضًا تشكل خطرًا على الثروة الحيوانية، إذ إن ربع الأنواع الحية الموجود على سطح الأرض مهددة بالانقراض بحلول عام 2050 بحسب خبراء إذا استمرت حرارة الكوكب بالزيادة عن المعدل الطبيعي، وتشير الأبحاث أن العالم شهد أول حالة انقراض في عام 1999 بفعل التغير المناخي، بوفاة آخر ضفدع ذهبي في أمريكا الوسطى، إضافة إلى العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض في الوقت الحالي بسبب الفيضانات أو اختفاء الجزر، وذوبان الجليد الذي يهدد الدببة القطبية في القطب الشمالي بعد مائة عام أو حتى أقل، وإذا اتجهنا إلى الحيوانات البحرية فقد تسبب ارتفاع الحرارة في إزالة ألوان الشعاب المرجانية إضافة إلى قتلها الطحالب الملونة المهمة لصحة تلك الشعاب واحتوائها على العديد من المواد الهامة التي تسخدم في إنتاج الأدوية، أما بالنسبة للطيور فقد فقدت عدة ولايات أمريكية العديد من الطيور بسبب هجرتها لأماكن أكثر برودة كطيور القرقف ذات الغلاف الأسود من ولاية ماساتشوستس، يذكر أيضًا أن الثروة الحيوانية كما أنها مكملة لحياة البشر أيضا فالثروة النباتية هي أيضًا مكملة لها وللإنسان، إذ إنّ اختفاء الغطاء النباتي يكمن باختفاء الحيوانات والعكس صحيح، فهما مكملان للتكاثر وللحياة ككل .

التغير المناخي وصحة الإنسان

يشكل التغير المناخي، أكبر كارثةٍ حقيقةٍ تهددُ صحة الإنسان، الذي يعتمد كل الاعتماد على جميع المحددات الاجتماعية والبيئية للصحة، ويواجه الإنسان اليوم العديد من الأضرارِ المباشرة على الصحة، فبحسب منظمة الصحة العالمية فإن من المتوقع أن يفضي تغير المناخ في الفترة ما بين عام 2030 و2050 إلى نحو 250000 وفاة إضافية سنويًا من جراء سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، إضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يعني أن الملوثات الهوائية ستزداد وبالتالي زيادة الأمراض القلبية والتنفسية كالربو والحساسية، إضافة إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى تغيير النطاق الجغرافي وإطالة فصول انتقال الأمراض المحمولة بالنواقل، أيضًا الفيضانات تؤثر في جانب تلوث إمدادات المياه العذبة وبالتالي حدوث حالات الجفاف، وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه، على سبيل المثال، نجد أن الأطفال في بعض الدول الأفريقية يتركون التعليم بسبب الجفاف أو الفيضانات، وبالتالي استغلالهم في العمل أو حتى الاغتصاب والاتجار بهم، مما ينتهي بهم الحال إلى الموت أو انتقال الأمراض، والإدمان ودخول العصابات.
فعليًا لم يعد الكوكب قادرًا على تحمل هلاكه ودخوله في صراع يودي بصحة ساكنيه، ولم يغد تغير المناخ أمرًا يسهل التجاوز عنه مع اقترابه من تهديد صحة الخلق، وبين هذا وذاك ثمة حلول يجب مجابهتها والوقوف أمامها وتطبيقها  تطبيقًا لائقًا، قد يقلل ذاك حجم تلك الكارثة، التي تشكل خطرًا أقل هدوءًا من الأمس .


يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك