البقاء تحت °1.5 واقعاً


سلسبيل صبيح  

استطاع التغير المناخي أن يسبق الزمن في ذروة جريانه وغمس بنو البشر في عظم نتائجه ، فقد استنتجت IPCC ( اللجنة الدولية للتغيرات المناخية ) أن إعتماد الحضارة على حرق الوقود الأحفوري رفع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو من نحو 280 جزءاً في المليون (ج.ف.م)قبل الثورة الصناعية إلة 390 (ج.ف.م) اليوم أي بفارق 110 (ج.ف.م) وهو أعلى تركيزفي الجو خلال ال(1000)سنة الأخيرة ، وكما نعلم ان غاز ثاني اكسيد الكربون يسمح لحرارة الشمس بالدخول في نفس الوقت الذي يعمل على منع جزء كبير منها من الارتداد بالإشعاع إلى الفضاء ،وقد شرح مركز “PEW” للتغير المناخي العالمي (ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض ب 1.4ف منذ السنوات الأولى للقرن العشرين )، قد يعتقد البعض أن ارتفاع أقل من 1 في درجة الحرارة خلال مائة عام أمر ليس بكارثي ، إلا أنه فعلياً قد يحدث خللاً كبيراً في التوازن المناخي مما يؤدي إلى تبعات مدمرة على سطح هذا الكوكب ،نجد أبسط الأمثلة الواقعية تتجلى في صفائح الجليد في غرينلاند والقطب الشمالي والتي بدأت بالذوبان وهي ومع الأسف كانت تعكس كميات كبيرة من الإشعاع إلى الفضاء وتنظم تدفق تيارات المحيط وبالتالي فقد الجليد الذي كان يسهم اسهاما كبيراً في العمل على عكس امتصاص الإشعاع الشمسي والذي قد يؤدي بدوره إلى  التهديد برفع مستويات سطح البحر 1 متر خلال قرن ٍ أيضاً .

التحديات الاجتماعية

إن حوادث التغير المناخي العنيفة اليوم أصبحت تمشي ضمن وتيرة متسارعة ، وقد بانت نتائجها بخلق أزمات انسانية صعبة بعض الشيء وتغذي الحروب الأهلية وظهور ما يسمى بلاجئي المناخ ،هذا وقد قدرت الأمم المتحدة أن تغير المناخ أثر بشكل سلبي على نحو 300 مليون من البشر في العام مسبباً قتل 300 ألف منهم ، وبحلول 2030 ومع تحول الفيضانات وحالات الجفاف وحرائق الغابات والأمراض الوبائية يمكن أن يقتل 500 ألف من البشر في كل عام بسبب خلل التوازن المناخي ، وأن الكلفة الإقتصادية والتي قد تصل بسبب هذه الكوارث إلى 600 مليار دولار كل عام ، أما عن التجمعات الكارثية للتغير المناخي والتي لُمست نتائجها الفعلية بعد حصول الجفاف والفيضانات والهجرات الجماعية ،والتي عملت بدورها على  تقليص الدور الزراعي والذي يعد عاملاً مهما ً في تقليل أضرار التغير المناخي وانبعاثات غازات الدفيئة ، بسبب التصحر وانحسار الأراضي الزراعية بسبب الرعي الجائر أو حتى قطع الأشجار في الأراضي الزراعية ، و بالنسبة للاجئي المناخ في هذا العصر وفق دراسة عرضت في إطار المؤتمر العالمي لارتفاع حرارة الأرض والذي عقد في اكستر جنوب غرب بريطانيا، والذين قد يبلغ عددهم في عام 2050 حوالي 150 مليون شخص بسبب الفيضانات وازدياد مستوى البحر وازدياد جفاف أراضيهم والتي قد تؤثر على الثروة الحيوانية لديهم وبالتالي ازدياد مستوى الفقر وحدوث الصراعات حفاظاً على الحياة  ، ولو ابتعدنا قليلاً إلى بنغلاديش نجد حوالي 500 ألف مواطن أصبحوا بلا مأوى عندما غمرت نصف جزيرة بولا بالمياه في عام 2005 ، وغيرها من الدول الأخرى التي أصبح قانيها تحت مسمى لاجئي المناخ .

مسار التكيف والتخفيف للبقاء تحت °1.5

إنَّ نطاق التكيف والتخفيف أمر في غاية الأهمية اليوم خصوصاً مع الوضع الصعب للمناخ ، فبرغم التغييرات الحاصلة وتوجه بعض الدول تخفيف التغير المناخي من الجانب الإقتصادي كالصين مثلاً ، إلا أنه ومن الواجب على جميع دول العالم الوقوف جنباً إلى جنب لتقليل الخسائر والكوارث التي من الممكن أن تحصل في هذا القرن  ، فالخيارات متعددة وليست مستحيلة في ظل الوعي المجتمعي بأهمية ذاك التكيف  ، لعل أبرزها يكمن في وضع تعزيز البنى الأساسية للنقل والتوزيع فوق  الأرض ، وتطبيق مشاريع مبتكرة لمصادر الطاقة المتجددة  باستثمار مصادر طاقة الرياح وطاقة الكرة الأرضية وأشعة الشمس بعد تحويل إقتصاد الدول للطاقة النظيفة ،ووضع خطط صحيحة وعملية لمصدات البحار وحواجز المد العاصفي ، بالإضافة لتغيير مواقع المحاصيل وإدارة الأراضي الزراعية بموضع أكثر جدية ، إلى جانب استغلال المساحات الرطبة والقريبة من البحار لزراعتها ، وفرض الضرائب والرسوم على كل من يعبث في ثروات الأرض وعدم استخدامها بالطريقة الصحيحة ، غير هذه الخيارات للتكيف والتخفيف نجد المئات التي قد تنقذ كوكب البشرية وتجعله أمراً ليس مستحيلا .

هل يمكن لاقتصاد الدول أن يتحول نظيفاً 100% ؟ 

قد يكون التحول الاقتصادي أمراً ليس سهلاً بعض الشيء إلا أنه ليس مستحيلاً أيضا ، فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة ،فإن 15% من مجمل التوليد الكهربائي هو من مصادر الطاقة المتجددة و 10% من مجمل الاستهلاك في الولايات المتحدة ،وأن أهم الاستثمارات في الطاقة المتجددة تتركز في مناطق ارتبطت تقليديا ً بالنفط ، مثل تكساس ،وأن مصدر طاقة الرياح يشكل ما نسبة 12 % من مجمل الطاقة الكهربائية في 2016 ، أما بالنسبة للصين والتي تربعت على عرش الطاقة المتجددة فوفقاً لتقرير معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي أن استثمارات الصين في مجال الطاقة تجاوزت ال 44 مليون دولار في عام 2017 وغيرها العديد من الأمثلة في منطقة المشرق والمغرب ، كمصر والامارات العربية المتحدة والمغرب العربي ، والتي وضعت وحققت مشاريع تنموية كبيرة في مجال الطاقة المتجددة .
إن باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لا نحتاج إلى الحفر والتنقيب عن محاقل النفط وزيادة التلوث البيئي ، وستوفر تريليونات الدولارات من التكاليف المتعلقة بسبب التلوث المناخي والحد منه ، اضافة الى التقليل من عدد ضحايا الهجرة  ، لذا لا يعد الأمر صعباً أو مستحيلاً للبقاء تحت 1.5 درجة لهذا الكوكب إذا تمت الحلول وخلقت البدائل وتم التكيف مع الوضع بالشكل الصحيح .


يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك