فن الإعتذار



هذه الحياة .. نعيشها .. تطل علينا بأيام سعيدة كما تمطرنا بأيام حزينة ..نتعامل معها من خلال مشاعرنا .. فرح ضيق حزن محبة كره رضى غضب ..جميل أن نبقى على إتصال بما يجري داخلنا ..


لكن هل هذا يعطينا العذر أن نتجاهل مشاعر الغير .. أن نجرح مشاعرهم .. نتعدى على حقوقهم .. أو أن ندوس على كرامتهم ..؟

للأسف ..

لذا مايقوم به الكثير منا معتقدين بأننا مركز الحياة وعلى الآخرين أن يتحملوا ما يصدر عنا .. قد نخطىء ولكن دائماً لدينا الأسباب التي دفعتنا إلى ذلك ..
فتجدنا أبرع من يقدم الأعذار لا الإعتذار نحن لا نعاني فقط من الجهل بأساليب الإعتذار ولكننا نكابر ونتعالى ونعتبر الإعتذار هزيمه أو ضعف إنقاص للشخصية والمقام ..
وكأننا نعيش في حرب دائمة مع الغير ..فتجد أن الأم تنصح إبنتها بعدم الإعتذار لزوجها كي لا ( يكبر راسه ) ..والأب ينصح الإبن بعدم الإعتذار لأن رجل البيت لا يعتذر .. والمدير لا يعتذر للموظف لأن مركزه لا يسمح له بذلك ..

والمعلمة لا تعتذر للطالبة لأن ذلك سوف ينقص من إحترام الطالبات لها ..وسيدة المنزل لا تعتذر للخادمة ..وقس على ذلك الكثير .. اليوم نجد بيننا من يدّعي التمدن والحضارة بإستخدام الكلمات الاجنبية sorry/pardon في مواقف عابرة مثل الإصطدام الخفيف خلال المشي ..

ولكن عندما يظهر الموقف الذي يحتاج إلى إعتذار حقيقي نرى تجاهلاً ..أنــــا آســـف .. كلمتان لماذا نستصعب النطق بهما ؟؟
كلمتان لو ننطقها بصدق لذاب الغضب ولداوينا قلباً مكسوراً أو كرامةً مجروحة ..ولعادت المياه الي مجاريها في كثير من العلاقات المتصدعة ..كم يمر علينا من الإشكاليات التي تحل لو قدم إعتذار بسيط بدل من تقديم الأعذار التي لا تراعي شعور الغير أو إطلاق الإتهامات للهروب من الموقف لماذا كل ذلك ؟؟

ببساطة لأنه من الصعب علينا الإعتراف بالمسؤولية تجاه تصرفاتنا ..لأن الغير هو من يخطيوليس نحن ..بل في كثير من الأحيان نرمي اللوم على الظروف أو على أي شماعة أخرى بشرط أن لا تكون شماعتنا ..

إن الإعتذار مهارة من مهارات الإتصال الإجتماعية مكون من ثلاث نقاط أساسية ..
أولاً : أن تشعر بالندم عما صدر منك ..
ثانياً : أن تتحمل المسؤولية ..
ثالثاً : أن تكون لديك الرغبة في إصلاح الوضع ..
لا تنس أن تبتعد عن تقديم الإعتذار المزيف مثل أنا آسف ولكن ..؟؟!! وتبدأ بسرد الظروف التي جعلتك تقوم بالتصرف الذي تعرف تماماً أنه خاطىء ..أو تقول أنا آسف لأنك لم تسمعني جيداً هنا ترد الخطأ على المتلقي وتشككه بسمعه ..ما يجب أن تفعله هو أن تقدم الإعتذار بنية صادقة معترفاً بالأذى الذي وقع على الآخر ..

وياحبذا لو قدمت نوعاً من الترضية ويجب أن يكون الصوت معبراً وكذلك تعبير الوجه ..
هناك نقطه مهمة يجب الإنتباه لها ..ألا وهي أنك بتقديم الإعتذار لا يعني بالضرورة أن يتقبله الآخر ..أنت قمت بذلك لأنك قررت تحمل مسؤولية تصرفك ..المهم عليك أن تتوقع عند تقديم الإعتذار أن المتلقي قد يحتاج إلى وقت لتقبل أعذارك وأحياناً أخرى قد يرفض إعتذارك ..

وهذا لا يخلي مسؤوليتك تجاه القيام بالتصرف السليم نحو الأخر ..أخيراً ..من يريد أن يصبح وحيداً فليتكبر وليتجبر وليعش في مركز الحياة الذي لا يراه سواه ..ومن يريد العيش مع الناس يرتقي بهم .. لا عليهم .. فليتعلم فن الإعتذار ..









يمكنك التعليق على هذا الموضوع تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

شكرا لك ولمرورك